اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


اعداد: رفقا لطفي


لبنان، بلد الجبال الشامخة والبحر الزمردي، يعتبر واحدًا من أهم الوجهات السياحية في الشرق الأوسط. تتميز السياحة في لبنان بتنوعها الفريد، حيث تجتمع فيها الثقافات والتراث القديم مع الحياة الحديثة بطريقة مذهلة. يضم لبنان مدناً تاريخية مثل بيروت، جبيل، طرابلس، وصور، إلى جانب مواقع طبيعية خلابة مثل جبل لبنان ووادي قاديشا. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الطعام اللبناني المشهور عالميًا والحياة الليلية النابضة بالحياة من جوانب جاذبية أخرى للسياح.

الموقع

تقع جبيل في محافظة جبل لبنان، وتعتبر هذه المدينة من أقدم المدن المأهولة في العالم، ومن المدن القليلة التي بقيت مأهولة منذ إنشائها حتى اليوم.

تقع مدينة جبيل على الساحل اللبناني شمالي العاصمة بيروت، وتبعد عنها بنحو 37 كيلومترا، ويستغرق الوصول إليها نحو ثلاثين دقيقة من بيروت في الحالات العادية. تتمركز فيها العديد من الدوائر الرسمية والمرافق الخدمية الصحية والتعليمية والمصرفية وغيرها.

أبجدية فينيقية

لجبيل علاقة تاريخية بالأبجدية؛ فإذا كان المصريون القدماء ابتكروا النظام الهيروغليفي لتسجيل أحداثهم وأحوالهم كتابةً، وإذا كان الرافديون ابتكروا النظام المسماري للغاية نفسها، فأن كنعانيي الشاطئ الشرقي للمتوسّط استوحوا النظامين لكتابة لغتهم، فكانت النتيجة نظاماً أبجدياً كتبوه بإشارات مسمارية. وهذه الكتابة الفينيقية بالأبجدية النسخية، تشكل أصل الابجديات المعاصرة ووجدت هذه الكتابة على ناووس حيرام، أحد ملوك المدينة.

التاريخ والآثار

مرّت على مدينة جبيل اللبنانية حضارات متنوّعة أخذت منها وأعطتها الكثير. تعتبر جبيل من أقدم المدن المأهولة في العالم وهي، كما نعرفها اليوم، تقوم على طبقات عدّة من البقايا والآثار التي تعود الى العصر الحجري.

منذ حوالي 7000 سنة، أي في غضون العصر الحجري الحديث، أنشأت جماعات من الصيادين مُستقراً لها على شاطئ المتوسط، فكان هذا المُستقر بمثابة القرية البدائية التي أصبحت في ما بعد جبيل. وكشفت الحفريات عن بقايا هذه القرية التي تتمثل بأكواخ ذات حجرة واحدة رُصفت أرضيتها ببلاط من الكلس. وقد عُثر في هذه الأكواخ على عدد من الأدوات والأسلحة الظرّانية التي تعود إلى تلك الحقبة. واستمر نمط العيش هذا في أثناء الحقبة التالية، أي في الألف الرابع ق.م.، التي عرف الإنسان فيها طرق النحاس إلى جانب أدواته الحجرية، وهي الفترة التي يُطلق عليها اسم "العصر الإنيوليتي". بيد أن الحفريات أظهرت نمطاً جديداً من العادات الجنائزية تمثلت بدفن الموتى مع بعض متاعهم في جرار كبيرة.

ارتقت جبيل إلى مصاف المدن أواخر الألف الرابع ق.م.، فأصبح لها شوارعها ساحاتها ومبانيها العامة وأسوارها، فأصبحت بذلك حاضر لها شخصيتها الخاصة واستقلالها ووجودها السياسي). اعتبرت، خلال الألفي سنة الأولى من عمرها، حاضرة الكنعانيين الدينية الأولى؛ وتلقت معابدها، الذائعة الصيت في العالم القديم، هدايا فاخرة وثمينة من فراعنة مصر، لا زالت تشكّل تحفاً تفاخر بها بعض متاحف العالم.

ما إن حلت بدايات الألف الثالث ق.م.، حتى شهدت جبيل ازدهاراً كبيراً بفضل تجارة الأخشاب التي كانت تصدرها إلى أنحاء المتوسط الشرقي، ولا سيما إلى مصر، حيث كان المصريون يفتقدون الخشب اللازم لبناء سفنهم ومعابدهم ولضرورات طقوسهم الجنائزية. وكانت جبيل تحصل مقابل أخشابها على الأواني والحلي المصرية المصنوعة من الذهب والمرمر، بالإضافة إلى لفائف البردي ونسيج الكتان.

ما لبثت فترة الازدهار تلك أن انحسرت في نهايات الألف الثالث ق.م. أن تعرّضت جبيل إلى الغزو والحريق من قبل بعض القبائل الأموريّة. وما أن تخلى القادمون الجدد عن بداوتهم واستقروا حتى أعادوا إعمار المدينة كما أعادوا التواصل التجاري مع مصر إلى سابق عهده. وجدير بالذكر أن مدافن جبيل الملكيّة التي أبرزت الحفريات مدى ثرائها تعود بمجملها إلى تلك الفترة، مما يُشير إلى الازدهار الذي حققته جبيل في ظلّ الحكم الأموري.

وما أن أشرف الألف الثاني على الانتهاء حتى اجتاحت المتوسط الشرقي جماعات غريبة يطلق عليها المؤرخون اسم "شعوب البحر". فاستقرت أعداد منها على سواحل بلاد كنعان الجنوبية، ويبدو أن القادمين الجدد كانوا في أساس نشر المعارف البحريّة والملاحة بين شعوب المنطقة التي أطلق عليها في ما بعد اسم فينيقيا.

مع مرور الزمن أخذت الطبقات السكنية المتعاقبة في موقع جبيل تتحول إلى تلّ ترابي بلغ ارتفاعه نحو اثني عشر متراً وقد أقيمت فوقه المنازل وانتشرت في ارجائه البساتين. وفي سنة 1860، زار العالم الفرنسي إرنست رينان موقع جبيل وأجرى فيه بعض الاستكشافات والحفريات المحدودة. غير أن البحث الجدي عن آثار المدينة لم يجرِ إلا في نهاية الحرب العالميّة الأولى، عندما قام عالم العاديّات المصريّة بيار مونتيه بين عامي 1921-1924 بإجراء حفريات واسعة مكّنته من ابراز التواصل الحضاري بين جبيل ومصر الفرعونية. وفي عام 1925، تسلم إدارة الحفريات في الموقع الأثري الفرنسي موريس دينان، وبقي يعمل فيه لحساب المديريّة العامة للآثار اللبنانية حتى عام 1975، بحيث تمكّن من نفض الغبار عن الجزء الأكبر من تاريخه وآثاره

تتوفر المدينة على معالم أثرية وسياحية متعددة تجعلها من أبرز الوجهات السياحية على شاطئ البحر المتوسط، ومنها قلعة جبيل التاريخية التي بناها الصليبيون عام 1204، وتضم اليوم متحفا تعرض فيه قطع أثرية مختلفة، وتشرف على مدينة أثرية فينيقية اكتشفت فيها توابيت لملوك حكموا جبيل ومسرح روماني.

ومن المعالم السياحية الشهيرة فيها المرفأ التاريخي على البحر، إضافة إلى بقايا السور الذي كان يحيط بالمدينة في القرون الوسطى، وقلعة جبيل التي بناها الصليبيون، ومسجد جبيل التاريخي الذي يعد أحد أقدم المساجد في لبنان.

ويقف متحف الشمع في المدينة بوصفه أحد المعالم الجميلة، في وقت تعتبر كنيسة القديس يوحنا المعمدان التي بناها الصليبيون عام 1150 شاهدا على التنوع الديني والمذهبي للمدينة.

وتضم المدينة متحفا للأحافير التي تعود لملايين السنين، أما الحارة القديمة والسوق التجاري فيتمتعان برونق تاريخي عريق، يبرز فيه جمال الأحياء خلال العهد العثماني.

وفي فصل الصيف تنظم جبيل بشكل سنوي مهرجان بيبلوس الدولي الموسيقي في الحي التاريخي بالمدينة

لقب مدينة جبيل

تسمى أيضا بيبلوس بالنظر لعلاقتها بالأبجدية الفينيقية والورق، إحدى أهم نقاط الجذب السياحي في لبنان والمنطقة عموما، حيث يفد إليها كل عام آلاف السياح الذين يتلهفون للاطلاع على تاريخها وثقافتها ومعالمها السياحية الهامة.

أبرز المعالم

يوجد في مدينة جبيل الكثير من المعالم والمواقع السياحية التي جعلت منها مكاناً سياحيّاً مهمّاً، تحديداً المتاحف والتي تتضمن ما يلي:

متحف موقع جبيل: يوجد فيه وثائق تعرض جميع الحفريات التي مرّت بها المدينة، كما يقدم شروحات لجميع الأحداث التاريخيّة التي مرّت بها المدينة، تحديداً للفترات السابقة العصور الوسطى، مسلطاً خلالها الضوء على حياة السكان القدامى للمدينة.

متحف ذاكرة الزمن: يقع في الساحة الخاصة بقلعة جبيل، وفيه مجموعة كبيرة من المتحجرات اللبنانية التي تعود إلى أكثر من مليون سنة سابقة

متحف ومؤسسة لويس قرداحي: تهتم بنشر كلّ ما يخص الأحداث التاريخية للمدينة، وهو شكل بيت تراثيّ ثقافيّ، يقع في الجهة الجنوبية من كتدرائية يوحنا مرقس.

متحف المتحجرات: يقع في السوق الأثري للمدينة، وفيه مجموعة مختلفة من المتحجّرات، تحديداً الأسماك التي اكتشفت في جبيل وبعض المناطق اللبنانيّة الأخرى.

في نهاية هذه الرحلة المثيرة في عالم السياحة في لبنان، تظل مدينة جبيل واحدة من أبرز الجواهر السياحية في هذا البلد الساحر. فهي تجمع بين جمال الطبيعة الساحر وثراء التاريخ العريق، وتقدم للزوار تجربة فريدة لا تُنسى. بمعالمها الأثرية الرائعة ومناظرها الطبيعية الخلابة، تبقى جبيل وجهة سياحية لا مثيل لها تعكس روح وجمال لبنان.

 

الأكثر قراءة

حزب الله يدشّن أولى غاراته الجوية... ويواصل شلّ منظومة التجسس ترسيم الحدود مع لبنان ورطة اسرائيلية... و«مقايضة» اميركية في رفح!